لنتعلم من ” يرقه “!!

قبل أيام أذهلني على التلفاز منظر حكى قانون الله العادل في كل شيء وإعجاز خلقه الباهر في أدق تفاصيل الكون  ..كان ذلك عندما رأيت ” يرقه صغيره لاتتجاوز رأس أصبعنا” تتدلى من قمة شجرة غابيه طويله جدا تنزل من قمتها بخيط رفيع  وشفاف بالكاد يُرى طوله  (20 م ) ..

أدركت حكمة الله وعدله في منح مخلوقاته أسباب الحياة، لاشك في أن الله يريد لنا الحياة الأفضل ويؤيدنا بمساعداته الإلهيه إن رأى منا المبادره والصدق مع النفس، عرفت أننا نحن من نبحث عن الموت أو ربما نحن من نضع أنفسنا على عتباته بجزعنا وتسخطنا وكأننا لا نعتقد برحمته رغم ان ديننا أكثر دين سماوي علم البشرية طقوس ” الأمل “..ترى من علم تلك اليرقة أن تتسلق الشجرة العالية بحثا عن اشباع جوعها ( دافع)،ثم الأكل من ورقاتها العاليه فاقعة الخضرة فكان (هدف ) تاركة عروق الأوراق المتراقصه على جناح الرياح كتوثيق لمرورها هناك حيث يتجلى الإعجاز الرباني ؟!

من علمها مهارة الصبر والمثابره زحفا للوصول للقمه لما لم تختار تلك الأرواق القريبة منها على الأرض ، لما فضلت أن تأكل من الأوراق التي عانقت شعاع الشمس، ولم ترضى بهدف قريب منها .. كيف عرفت أن الأوراق على القمة أكثر حياة وتجددا من تلك الممتده في الظلال فلم ترضى بها ؟!

صعدت .. رويدا .. رويدا لتلتقطها كاميرات البشر .. فتعلم العقول عنفوان العزيمه وتأجج الهمه العاليه ..

أكلت .. شبعت .. ثم نزلت بكل سلاسة كأي شيء ينزل من القمه ” بسهوله ” بعد أن أظناه الصعود .. بصمود

انسابت بخيطها الرفيع بكل هدوء وكأنها تلقنا درسا في ” الصبر والكفاح “

وصلت للأرض ثم تابعت سيرها لتنضم لشاكلتها ممن اعتادوا الأكل من قمم الأشجار وليس من أسفلها ..

فهل هذه ” اليرقة الضعيفه” اكثر رباطة منك أيها ” الإنسان “

قال تعالى ” خلق الإنسان هلوعا ” وقال ” إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ” اختار الله لفظة ” كادح ” لأنها اعمق وأقوى في الوقع والمعنى ، فلما تعتقد أنك الوحيد الكادح على هذه الأرض لما تجزع وتشق الجيب وتلطم الوجه طالما انها حقيقه واجهك الله بها ؟ لما اعتقدت بكل شيء في القرآن إلا هذه الجزئية أم لأنها لم توافق هوى نفسك ؟؟

 أخبرك الله بحقيقة الوجود وطبيعة الحياة ..و لم يتركك وحيدا تصارع الحياة أعطاك الأسلحه اللازمه والتي تكفيك كإنسان لتنسف بها صعوبات الطريق كما أعطى تلك اليرقه خاصية الزحف لتسلق الشجره العاليه واعطاها الخيط الذي يحتمل وزنها فلا ينقطع وتسقط صريعه بينما لو مسته أصابع البشر لأنقطع فورا !! 

الله عادل في كل شيء فلما القلق ؟؟

 أخبرنا من خلال آياته ان الهدف هو العباده ” وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ” والعباده هي إعمار للأرض كلفنا بهذه المهمه الثقيله التي أبت السموات والأرض أن يحملنا فحملها الإنسان (لجهله ) لكنه مع ذلك اعطانا الأدوات اللازمه والمناسبه في المقدار والكيفيه لنعمرها وفضلنا عن سائر مخلوقاته وشرفنا بهذه الأمانه فأعطانا مايميزنا عن غيرنا عدلا وقسط منحنا ” العقل ” الذي عرفنا به اننا نختلف عن كل شيء في هذا الكون..ثم لم يتركنا هائمين بعقولنا بل قال ” هديناه النجدين” الخير والشر فأصبحنا نعرف طرق النجاة وطرق الهلاك .. ولم يقف هنا لتتحكم بنا أهواء النفس بل جعلنا محاسبين على اختيارنا بـ ” الإراده وقدرة الإختيار ” ومع ذلك لم يترك مجالا لليأس بل بث الأمل فجعل لكل خيار جزاء إن خيرا فخير .. وإن شرا فشر ..

فبعد هذا كله .. كيف تبتعد إهدافنا وقد اختارنا خالق هذه الحياة ومافيها لإعمارها !!

مصافحة الهدف لا يعني بالضرورة أن نصرخ في وجه القدر ..

 ولايعني أن نكون ثائرين ونحن نعلم فداحة الصمم من حولنا !!

 مطلقين الرصاص في صدر الحقيقه المدرعه .. فتلك اليرقه لم تقتل أحدا كما لم تدسها قدما !!

بهدوء اكتسح الصوره وصلت .. فشبعت .. فنزلت ” بإرادتها ” هي ..دون مساعدة من أحد سوى المساعده الربانيه بالفطره ..

فـ أين أرداتك أنت ؟

” اليرقة ” ركزت على هدفها وحددت خطة سيرها وسخرت قواها لتصل رغم طول المسافة .. فوصلت ..  لم تبدد قدرتها فيما لايعنيها ..

أكلت ماأرادت وتركت ملا تريد ( عروق الورقه ) سياسة مريحه لحياة مريحه !

ثم لم تبقى هناك بأنانيه تأكل وتأكل حد” التخمه ” ..

 بل فضلت النزول بما لدينا من خيوط منحها اياها الخالق فلحقت بصديقاتها اليرقات ولم تسكن هناك حيث الوحده بل عادت لطبيعتها كي تسير الحياة كما سنها الله ..

لم تعترف بمبدأ ” الإستحواذ ” لم تقل تعبت لما لا أكون على القمة وحدي .. وآكل الورق وحدي ..لعلها نزلت لتعود مجددا وتتذوق طعم الإنتصار كل مره..

فاعتياد الشيء يفقده الكثير من طعمه وقيمته .. وحلاوة الحياة إنما في ” تقلبها ”

نزلت كذلك بهدوء وسط دهشة الإنسانيه والأنظار ترقبها .. منظر يرغمنا أن نعيد النظر مليا في إمكانياتنا التي سحقتها الأنانيه أو ثبطتها مشاعر  اليأس ..

قالت هيلين كير العمياء الصماء البكماء ” لازال في الحياة جمال” رأتها جميله .. نعم .. لكنها لم تختر الظلام بل بحثت عن إحساس النور لتعرف معناه..

لمسته بقلبها وبصيرتها تحركت فوجدت .. وادركت فعاشت .. وفكرت فأنتجت .. والنماذج كثيره لأولئك الذين اعاقتهم ظروفهم لكنهم اثبتوا أنهم أفضل بكثير من الأصحاء .. وإن دلّ ذلك على شيء إنما يدل على أن الكنز الحقيقي الموصل للسعادة قابع في كوامن النفس ..

أحيانا أقول أن سبب نبوغ امثال هؤلاء لأنهم فقدوا وسائل التشتت التي نعيشها نحن الأصحاء .. فلم يبصروا إلا مااستشعروه بأذهانهم .. ولم يدركوا إلا ما صدقوه بخيالهم .. ولم يسمعوا إلا ما أحسسته أناملهم .. فكان طريقهم يقينيا مهما كان ملتويا شائكا ..

لماذا أخترنا أن نحتفظ بما لدينا في صناديق مقفله .. وتعذرنا بانعدام الفرصه .. ” استعد كي تغتنم فرصك إن قابلتها خلال رحلة الحياة ”

 كسرنا أقلامنا خوفا وترددا .. اليس هذا العجز بعينه .. الا تعرف أن الغزال اسرع من النمر .. لكن ياترى لما النمر أكثر بئسا وشده ؟

الجواب .. لأن الغزال يتلفت كثيرا فيضيع هدفه خائفا أن يلتهمه من هو اقوى فيفترس احلامه ..(فـ اُفتِرس بالفعل)

بينما النمر ينطلق بثقة  ” حر قوي ” صحيح سرعته أقل لكنه يصيب الهدف بشجاعته ولاتفارق نظراته هدفه .. (فوصل وأشبع جوعه ) 

لاتخف لأن من حقك أن تحلم  لأن الأحلام ملك لك .. ومن حقك أن تبذل كل شيء لتصل لأن ذلك أيضا حق لك ..وتركها او المضي إليها بإرادتك انت وحدك..

 الخوف سيلتهم طاقاتك ويضعف توهج طموحاتك .. حافظ عليها بهدوء كهدوء تلك ” اليرقه ” ..كي لاتنطفيء شمعتها ..

ولتعلم أن الشمعة الواحده ستشعل عشرات الشموع …

مجرد كلمات نقشتها لمن أراد الحياة ..

4 تعليقات to “لنتعلم من ” يرقه “!!”

  1. اوراق الوجد Says:

    هذا من فوائد التفكر في مخلوقات الله …
    تتجدد العزيمة …
    وتقوى الإرادة …
    ويتعلم الإنسان الصبر و الرحمة ….
    فعلا يستحقر المرء نفسه أمام بعض المخلوقات الصغيرة …
    تأخذ بأسباب الحياة دون ملل أو كلل …
    تسخر مقدرتها في خدمة نفسها و بني جنسها ..
    ولا تقول لم تهيأ لي السبل … وتقعد مع القاعدين !…

    أشكر لك عزيزتي فرح هذه الوقفة الجميلة …
    و الجمال التعبيري الرائع …
    دمتي في حفظ الله ..

  2. الحياة ببساطة معقدة Says:

    عبارات تقطر شهدا..
    (مصافحة الهدف لا يعني بالضرورة أن نصرخ في وجه القدر )
    يجب أن لا يشك احد في ان الله عزوجل قد خلق هذا الكون ووضع له قانونا عادلا ولا يظلم ربك احدا..
    ولهذا دعانا جميعا إلى الـتأمل في خلقه لنستنتج منها قوانين الحياة تماما كما فعلت أنت في هذه التدوينة الرائعة..
    المشكلة يا فرح! فيمن يظنون أنهم قادرون على تغيير هذا القانون الرياني خصوصا حينما يكثرون من البكاء على الغزال ويشتكون ظلم النمر ولا يعلمون ان الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية..
    شكري الجزيل على هذه العبارات الممتلئة حكمة المتدفقة صفاء كما يجري ماء نهر على ضفافه يرقة..

  3. رولا Says:

    لست أدري أي جزء اقتبس ..
    كل كلمة كنز بحد ذاتها ..
    كم نشعر أحيانا أننا “لا شيء” أمام تلك المخلوقات الصغيرة ..

    ” رغم ان ديننا أكثر دين سماوي علم البشرية طقوس ” الأمل “
    يا الله .. تمر علي لحظات .. احمد الله فيها مليون مرة انني مسلمة ..
    ديننا عظيم ..

    “أعطاك الأسلحه اللازمه والتي تكفيك كإنسان لتنسف بها صعوبات الطريق ”
    ونضيع الأسلحة .. ونخسر المعركة .. ونبحث عمن نضع اللوم عليه !!
    الايمان بعدل الله المطلق .. أقوى سلاح وهبنا اياه الله ..

    “فبعد هذا كله .. كيف تبتعد إهدافنا وقد اختارنا خالق هذه الحياة ومافيها لإعمارها !!”
    تماما كمن يبحث عن شيء يمسكه بين يديه !

    “أكلت ماأرادت وتركت ملا تريد ( عروق الورقه ) سياسة مريحه لحياة مريحه !”
    بعض “البشر” يأكلون الأخضر واليابس .. ثم يعترضون ..

    “لعلها نزلت لتعود مجددا وتتذوق طعم الإنتصار كل مره..”
    لذيذ هذا الشعور =)

    ” لازال في الحياة جمال“
    الحقيقة لا ترى بالبصر .. بل بالبصيرة ..

    “ولتعلم أن الشمعة الواحده ستشعل عشرات الشموع …”
    وان ذابت يوما ما .. يظل نورها موجودا فيمن اشعلتهم ..

    رائعة انت يا فرح .. كعادتك ..
    دمت “رائعة” ^_^

  4. farah Says:

    أختي الفاضله ” أوراق الوجد ”
    سعدت بتعليقك وزيارتك الدائمه .. أمنياتي لك بدوام التوفيق ..

    ———

    فيضان الفكر النير ” د. تركي ”

    تحياتي لك ولسطورك التي لايسعني بعدها إلا أن اقدم لك وافر التقدير وجل الإحترام .. موفق دكتور..

    ———

    اختي العزيزه ” رولا ”
    كنتِ ولازلت بصمة أعتز بها فأنتِ ممن يشتاق لهم قلبي وعقلي معا ..إضافاتك لها وزنها ومكانها الدئم على صفحاتي .. اشكرك دائما وأبدا ..

أضف تعليق